2009/08/13

الأحاسيس والمشاعر والعواطف وحلاوة الحياة



عندما نطلب شيئا ونحصل على شيء آخر علينا أن نفحص أدواتنا ونحلل قناعاتنا ونقترب من

أنفسنا ونرفع الغطاء عن واقعنا, وعندما تتجه النسبة الأكبر من الغنائم المالية والمنافع

الاقتصادية إلى الأغنياء ولا يصل إلى الفقراء إلا القدر الضئيل منها, فهذا يعني أننا أمام تنمية

عرجاء قد تنتهي بالمجتمع إلى أزمات اجتماعية وأمنية ليس من المستبعد أن تطيح بالتنمية كلها

وتعود بالبلد إلى الوراء.


وبمثل هذه النظرة يجب أن نلتفت إلى الواقع النفسي والعاطفي الذي نعيشه اجتماعيا, فازدياد

العنف الأسري وازدياد معدلات الانتحار والطلاق وانحراف الشباب والإدمان وانتشار الأمراض

النفسية وازدياد عدد الفقراء وحتى الزيادة في الحوادث المرورية كلها مؤشرات قد تبدو لنا أنها

ليست على علاقة بسعادة الإنسان وراحته وحبه للحياة ولكنها كلها مؤشرات لأزمة عاطفية

نعيشها مع أنفسنا وفي بيوتنا وفي علاقاتنا الاجتماعية. فعدم الشعور بالسعادة والراحة النفسية

يجعل الإنسان يعيش في أزمة ولا ندري في أي شكل قد تنفجر هذه الأزمة, فقد تنفجر مع نفسه

وتجعل منه إنسانا مكتئبا ومنعزلا ومعتمدا على حبات البروزاك لكي يمارس الحد الأدنى من

حياته, وقد تنفجر هذه الأزمة في وجه عائلته لتطيح بها وتشتت شملها عندما يصبح الطلاق

الخيار الوحيد للخروج من معاناة المشكلات والخلافات اليومية, وقد تنفجر هذه الأزمة باللجوء

إلى الإدمان أو الانتحار أو انعدام الرغبة في العمل والتواصل الاجتماعي. وكل هذه الأمور من

الممكن أن نسهم في معالجتها إذا أدركنا أنها في معظمها مظاهر لأزمة عواطف ومشاعر

وأحاسيس وعندما يحصل الإنسان على من يساعده ويهتم به في هذا المجال فإن الكثير من هذه

المشكلات ستتراجع كما ونوعا في مجتمعاتنا. لقد بالغنا في الاهتمام بالأشكال والمظاهر والأمور

الاحتفالية وأغفلنا إلى حد كبير المعاني والمضامين النفسية والأحاسيس الداخلية والعاطفية

وكانت النتيجة أن جاءت هذه الأشكال والمظاهر على حساب سعادتنا الحقيقية في التواصل مع

من نحب, فلغة المظاهر هي غير لغة المشاعر, ولغة الاحتفال بالظاهر هي غير لغة الاحتفاء

بالباطن, فعندما نبالغ في المظاهر وننسى المشاعر والأحاسيس فلا نتوقع أن نحصل على ما نريد

من سعادة في هذه الحياة.


فكلما ابتعدنا عن لغة المشاعر والعواطف وجدنا صعوبة أكبر في إسعاد أنفسنا, وكلما فشلنا في

تحريك عواطفنا وأحاسيسنا من أجل التعبير عن ودنا وحبنا لمن نحبه ونوده من أب وأم وزوجة

وأخت وأبناء وأصدقاء فاتنا أن نقيم علاقات حميمية تعود بالفرح علينا وبالسعادة على أنفسنا.

فالسعادة عالمها العواطف والمشاعر والأحاسيس, وكلما أتقنا مفردات هذه اللغة فإننا نستطيع بها

أن نتجاوز ما يعيب حياتنا أو ينغصها من أمور مادية, وهذه الحقيقة اكتشفها الخبراء في العلوم

الإنسانية عندما وجدوا أن الكثير من الشعوب الفقيرة تشعر بالسعادة أكثر مما يشعر به الكثير من

الشعوب المتقدمة والغنية. وهناك جملة من الأمور الأساسية التي يجب أن تؤطر نظرتنا إلى

المشاعر والعواطف والأحاسيس في حياتنا, ومن بين هذه الأمور المطلوب تفعيلها يمكن أن نشير

إلى أربعة منها:


1- المكون العاطفي في بناء العلاقات: هناك عدد كبير ومتنوع من العلاقات التي يمكن أن يقيمه

ا الإنسان في حياته ولكن هناك علاقات لها دور كبير في تشكيل حياة الإنسان لما يستثمر في هذه

العلاقة من موارده الشيء الكثير, ومن هذه العلاقات علاقة الإنسان بوالديه وزوجته وأولاده

وإخوته وأصدقائه, وعلاقته بهؤلاء يجب أن تتضمن مساحة كبيرة من العاطفة حتى يمكن أن

يكون لهذه العلاقة دور مؤثر في سعادة الإنسان. هؤلاء هم قريبون جدا للإنسان فهم في الدائرة

القريبة جدا منه وعندما يوجد هناك برود عاطفي بينه وبينهم تتحول علاقة الجذب بينهم إلى علاقة

تنافر وغربة, وبما أنه ليس بمقدور هذا الإنسان أن يبتعد عنهم فإن وجودهم يتحول إلى حالة

طاردة للشعور بالسعادة, فكلما استطاع الإنسان أن يدخل في هذه العلاقة المزيد من العاطفة فإن

المردود منها هو المزيد من الشعور بالسعادة والعكس صحيح.



2 - لغة العواطف والمشاعر مطلوبة لكل الأوقات والأعمار: من الخطأ أن يتصور الإنسان أن

العواطف مطلوبة فقط لفئة من الناس أو لمرحلة عمرية معينة, فالأم والأب قد يقيما علاقة عاطفية

مع أولادهم وهم صغار وتتراجع هذه العلاقة إلى حد كبير عندما يتجاوز هؤلاء الأولاد مرحلة

الطفولة, وقد يتصور الإنسان أن من غير المطلوب إقامة علاقة عاطفية مع الأب أو الأم,

خصوصا في مرحلة تقدمهما في العمر, وأن العلاقة المطلوبة هي الاحترام والتقدير فقط. ونرى

أيضا أن الإنسان قد يقيم علاقة عاطفية مع زوجته في بداية حياتهما الزوجية ولكن سرعان ما

نرى هذه العلاقة تبرد بحجة أننا كبرنا على مثل هذه الأمور. الإنسان ما دام هو إنسان فهو في

حاجة إلى إشباع عاطفي ولا فرق في ذلك إن كان الزواج في سنته الأولى أو في سنته الستين أو

السبعين, والأم والأب وهما في شيخوختهما في حاجة إلى إشباع عاطفي من أولادهما ولا

يغنيهما عن ذلك ما نبديه لهما من احترام وتقدير.



3- الأهم من الحب هو التعبير عنه: هناك الكثير ممن ليست عنده مشكلة في حبه لأمه وأبيه

وزجته وبنيه وأصدقائه ومحبيه ولكن المشكلة في أنه لا يعبر لهم عما يكنه من حب لهم, وبالتالي

يتسلل الجفاف والبرود لعلاقتهم مع بعضهم بعضا. على الإنسان أن يكتسب المهارات المطلوبة

للتعبير عن محبته للآخرين, وهذه المهارات من التي يمكن أن يكتسبها الإنسان بشرط أن يدرك

أهميتها ويهتم بتعلمها. هناك من لا يستطيع حتى أن يقول كلمات بسيطة تعبر عن حبه لذلك

الآخر, والمختصون في شؤون الأسرة يعلمون كيف أن غياب مثل هذا التواصل ومثل هذه

الكلمات من لغة التخاطب بين الزوجين هو السبب لأغلب المشكلات الزوجية التي أوصلت

الطلاق عندنا وعند غيرنا إلى أرقام مخيفة.



4 - بتنمية المشاعر والعواطف يتعافى جهازنا المناعي العاطفي: إذا كان أغلب الأمراض إن لم

يكن كلها تصيب الإنسان بسبب ضعف أو عجز في جهازه المناعي في التصدي لمسببات هذه

الأمراض, وبالتالي فصحة الإنسان مرتبطة بقوة جهاز المناعة عنده, وكلما ازداد هذا الجهاز قوة

كان الإنسان في مأمن إلى حد كبير من العلل والأمراض. للعواطف أيضا جهاز مناعة وعلينا

تقوية هذا الجهاز لنستطيع به أن نقف في وجه المشكلات والمصاعب التي تعترض مسير حياتنا,

فالزوج والزوج المرتبطان برباط عاطفي قوي هما أقدر من غيرهما على مواجهة المشكلات

وتجاوز الصعوبات, والأب الذي يرتبط عاطفيا بدرجة قوية مع أبنائه وبناته هو أقدر من غيره من

الآباء على تجاوز المشكلات التي تظهر بسبب الفروق العمرية أو غيرها. واذا كانت

المشكلات منغصات في حياة الإنسان فإننا بتقوية العواطف في علاقتنا نستطيع أن نحد من أثر

هذه المشكلات في حياتنا وسعادتنا.



أخيرا يمكن القول إن المشاعر في حركتها تحرك في داخلنا حلاوة الحياة وعندما تصمت هذه

المشاعر وتخبو هذه العواطف تتولد منطقة فراغ في علاقة الإنسان مع من يحب, وبما أن

الطبيعة لا تتحمل وجود منطقة فارغة مادية كانت هذه المنطقة أم معنوية, فبالتالي عندما تصمت

المشاعر والعواطف تتسلل إلينا أمور وقضايا ومشكلات تحاصر الحب في قلوبنا وتحرك مشاعر

الكراهية والعداء بيننا وننتهي نحن وهم إلى حياة ملؤها التعاسة والشقاء.

والله يعطيكم العافية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوقات الصلاة لأكثر من 6 ملايين مدينة في أنحاء العالم
الدولة: