الرهاب الاجتماعي
الخوف شعور طبيعي لدى الناس ، بل لدى جميع الكائنات الحية ، وكل إنسانيستجيب لهذا الشعور بطريقة مختلفة ، ولكن قد يزيد الخوف عن حده الطبيعيفيصبح عندئذ غير طبيعي ، وهو ما يطلق عليه " الرهاب " . قد يصاب الشخصبالرهاب من أشياء عديدة مثل الخوف من الأماكن المرتفعة ، أو الأماكنالعامة أو الحيوانات والزواحف إلى حد لا يتناسب مع خطورة تلك الأشياءبحيث يتحول من إنسان طبيعي إلى شخص لا يمكنه أداء وظائفه بشكل طبيعي . ومن أنواع الرهاب التي تصيب الإنسان الرهاب الاجتماعي وهو : خوف وارتباكوقلق " وخجل " الشخص عند قيامه بأداء قول أوعمل ما , أمام مرأى الآخرينأو مسامعهم , وهو يؤدي به إلى تفادي المواقف والمناسبات الاجتماعية التييمكن أن تسبب له هذا الارتباك . ويعتبر الرهاب الاجتماعي من أكثرالاضطرابات النفسية شيوعاً , وتصل نسبة انتشاره إلى 14 بالمئة من السكان.إن الخوف من الغرباء يبدأ مع الطفل منذ الشهر السادس , وذلك بشكل غريزي ,ويتعلم الطفل أثناء نموه كيف يفهم الآخرين ويعرف نواياهم فهو يطمئن لهذاوينزعج من ذاك أو يخاف منه , وكثيرا ما يعتري الفرد خوف من الرفض أوالانتقاد من قبل الآخرين . وبالتالي فالتجارب السلبية والإيجابية التييعيشها في بدايات حياته ستترسخ في فكره . ومن خلال تفاعله مع الآخرينوكونه مفرض الحساسية , وفهمه موقفهم السلبي تجاهه تتكون لديه نظرة سلبيةأو عدائية عن الآخرين , وأيضاً تهتز ثقته ونظرته لنفسه . ويلعب الضغطالاجتماعي دورا مهما في ذلك , قد يحدث بان يحاول الفرد أن يكون متميزا عنالجماعة وتكون أفكاره انضج من أفكار الآخرين , وعندها يقوم الآخرينبمهجمته ونقدة بسبب الغيرة . في هذه الحالات يمكن أن يتكوّن لديه الرهابالاجتماعي نتيجة القلق والخوف والخجل من تقيم الآخرين السلبي ل – قدراته- شكله وملبسه - تصرفه وأدائه , و يصبح يتحاشى التواصل مع الغرباء . فهويخاف أن يظهر أو يتصرف بطريقة يمكن أن تؤدي إلى إهانته أو التقليل منشأنه . والضعف وعدم القدرة على الرد على الأهاناة أو النقد بالأضافة لعدمالثقة بالنفس هو ما يزيد الأمور صعوبةً , والخوف منها . وأذا كانتالجماعة المتحدث إليها صديقة ومشجعة فعندها يمكن أن لا يظهرالرهابالاجتماعي .
يشكو غالبية الناس من الخوف من الاتصال مع جماعة , فالاتصال مع شخص واحددوماً يكون أسهل , لقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن 90% من الناس يشعرونبقليل من الرهبة أو الخوف من الاتصال بالآخرين الأفراد . فجميع الناسيشعرون بالارتباك أمام الجمهور في الدقائق الأولى من إلقاء محاضرة أوكلمة أو خطبة . ويعتمد طول فترة الارتباك على الموقف وحالة الفرد النفسيةآنذاك , وغالباً هذا يكون لفترة قصيرة ثم يزول تدريجيا عند الأشخاصالعاديين . ويلعب التدريب دورا مهما في التقليل من مثل هذا الارتباك .ويقول المثل " إذا خفت لا تقل وإذا قلت لا تخف " . أما المصاب بالرهابالاجتماعي فهو يخاف بشكل غير طبيعي عندما يتواصل مع جماعة ، فهو يتصور أنالجميع ينظرون إليه بتمعن وانتقاد ويراقبون حركاته وسكناته . وهذا الخوفالشديد يؤدي إلى استثارةٍ قوية للجهاز العصبي غير الإرادي حيث يتم إفرازهرمون " الادرينالين " بكميات كبيرة تفوق المعتاد مما يؤدي إلى ظهورالأعراض البدنية على الإنسان الخجول في المواقف العصبية , كالتلعثمالكلام وجفاف الريق , تسارع نبضات القلب واضطراب التنفس , ارتجاف الأطرافوشد العضلات , تشتت الأفكار وضعف التركيز , وهذا ما يصعب الأمر عليهويزيد من احتمال فشله .
يصنف الرهاب الاجتماعي ضمن أمراض أو اضطرابات القلق والتي هي عبارة عنزيادة في معدل القلق لحد أعلى من الطبيعي ، والقلق نوع من المشاعرالطبيعية فبسبب أفكار معينة عنوانها الخوف وعدم التأكد مما صار أو سيصيريبدأ الجسم بالاستجابة لهذه الفكرة بافراز مادة "الادرينالين" وهي المادةالمحفزة التي تجعل كل الجسم يتحفز للدفاع عن نفسه أو الهروب من مكانالخطر .
وكما ذكرنا إن لظروف النشأة , دور في ظهور القلق عموما والرهاب الاجتماعيخصوصا ، فهناك اشياء كثيرة تجعل الثقة بالنفس مهزوزة ما يجعل الانسان لايجرؤ ولا يستطيع التعبير عن نفسه أمام الآخرين بسهولة ، بسبب شكه فيقدراته أو بسبب قسوة من حواليه فيهينونه . فيقلق ويتوتر إذا اضطر للتحدثأمام الناس أو مقابلتهم , فمن يعيش ظروفا في طفولته بهذا الشكل فإنه قديصاب بالقلق أو الرهاب الاجتماعي تحديدا . والقلق يمكن أن يكون متوارثوالدليل على هذا ان القلق ينتشر في عائلات معينة , وان المصاب بالرهابالاجتماعي هناك احتمال أكبر ان احد اقاربه مصاب بهذه الحالة , وقد ظهر أنللوراثة دور في تشكل الرهاب الاجتماعي , فقد وجدت إحدا الدراسات أنالتوائم الحقيقية إذا كان هذا الاضطراب موجود لدى أحدهما غالباً ما يوجدالدى الآخر, مما يدل على وجود عوامل وراثية كيميائية تساهم في ظهورهذاالاضطراب , وكذلك دلت دراسات على انتقاله من جيل لآخر ضمن العائلة .
وفي دراسة متميزة أجريت بجامعة ستانفورد الأميركية وشملت عشرة آلاف شخصمن مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية والعرقية، تبين أن حوالي 15% منالأفراد الذين شملهم البحث مصابون بمرض الحياء الشديد، كما وأن حوالي 40%أيضا من الذين لم يصنفوا ضمن المصابين بالمرض، أكدوا أنهم كانوا يعانونمن الخجل الشديد ولكن تمكنوا من الشفاء منه بعد استخدام وسائل وسلوكياتمعينة ساعدت على تخلصهم من مشكلة الخجل والحياء الزائد . وقد رأت إحدىالنظريات أن المصابين به لديهم إثارة غير اعتيادية طويلة الأمد أو شديدة, تبقى بعد التعرض لموقف مقلق أو مخيف . فالخجل والقلق الشديد في المواقفالاجتماعية اضطراب نفسي اجتماعي يعاني منه الكثير من أفراد المجتمعاتالإنسانية ,
ومن أسبابه :
- الوراثة - فقدان المهارات الاجتماعية - نظرة سلبية للنفس والذات.إذاً : ان تفاعل كل منا مع المجتمع ينبني على مجموعة تجاربه التي تولدعنده نمط تفكير معين ، فمن يفشل مرة ويتأذى بسبب ذلك , قد يفشل المرةالتالية ليس بسبب عدم قدرته لكن لأنه ترسخت عنده فكرة انه سيفشل . فيفشل. وكذلك من تعود على ان يقوم الآخرون بتخويفه واهانته عند طلبه شيئا ما ،فإنه عندما يعيش في مكان آخر تصاحبه هذه الفكرة فيخشى طلب شيء بسببالفكرة التي ترسخت عنده انه سيهان أو يخوف عندما يطلب شيئاً . وهكذاالرهاب الاجتماعي قد يكون استجابة لفكرة خاطئة ان ما حوالي الفرد مخيف أوانه لن يقدر عليه أو أنه سيفشل فيقلق زيادة ويتحقق ما يتوقعه بسبب ذلك .ما يراه الباحثون عموماً : ان الانسان يرث موروثا يجعل مستوى قلقه فيالإطار الطبيعي وهذا الطبع الموروث يزيد أو ينقص بحسب الظروف التي يمربها الانسان فإن مر بتجارب صعبة متكرر ونقد جارح فإن الأفكار القلقةستترسخ عنده ويزداد معدل القلق ليصل إلى حالة مرضية تؤثر على أداءالإنسان وحياته , فيفشل في بعض الأمور المهمة بسبب تجنبه هذا القلقالناتج عند مواجهته للمجتمع وحاجته للتفاعل معه.وتؤكد النظريات السلوكية على حدوث تعلم شرطي وارتباط سلبي بين تحقيقالفرد لشخصيته و وجوده مع الآخرين , وأن هذا التعلم حدث خلال بداياتالحياة في عمر 4-6 سنوات, وهو يؤدي إلى حساسية مرضية قلق وخوف منالمواقف الاجتماعية الشبيهة لمواقف قديمة عانى الفرد منها , وتؤكد أيضاًعلى أهمية المهارات الاجتماعية وضعفها في حالات الرهاب الاجتماعي , ويؤدي نقص فرص التعبير عن الذات ونقص التشجيع وازدياد التنافس والعدوانيةإلى المساهمة في نشوء الرهاب الاجتماعي , وكل ما يساهم في تكوين صورةسلبية عن الذات وعدم التعبير المناسب والتشجيع يمكن أن يساهم في استمرارالرهاب الاجتماعي .وأشهر المواقف التي يظهر فيها هذا الاضطراب :التقدم للإمامة في الصلاة الجهرية . إلقاء كلمة أمام الطابور الصباحي فيالمدرسة . التحدث أمام مجموعة من الناس لم يعتد الشخص عليهم . المقابلةالشخصية . الامتحانات الشفوية . الحديث مع المسؤلين . إلقاء نكتة .إعادةبضاعة تم شراؤها . الحديث مع الجنس الآخر . الحديث على الهاتف أمامالآخرين . القيام بالواجبات الاجتماعية كتقديم الشاي والمشروبات أومقابلة الضيوف , فمثلا عندما يقوم احدهم بأخذ فنجان الشاي والقهوةلايستطيع او قد تسقط منه . وقد تمتد هذه الحالة إلى تجنب المجتمعات عموماوالهروب خشية الاحراج .
مضاعفات الرهاب .
أن الرهاب الاجتماعي يصاب به الشخص في الصغر وتظهر نتائجه في المراهقةوالشباب , فتظهر تأثيراته السلبية والمعانات منها بالظهور بشكل واضح فيأواخر المراهقة وأول سنوات الشباب . فيؤدي الرهاب الاجتماعي إلى صعوبةالتحدث مع الأشخاص الجدد والحرمان من التعرف بهم . ويؤدي هذا النوع منالخوف إلى صعوبة في الإجادة في الكلام بحيث لا يستطيع الفرد التعبير عنملاحظاته وقيمه , وسوف يلاقي الشخص المصاب به صعوبة في مادة القراءة ,وهذا يؤدي غالباً إلى ضعفه ياللغة . ويجعل الشخص سلبياً ومعرضاً عنالمشاركة في المواقف والمناسبات الاجتماعية . ويمنعه من تطوير قدراتهوتحسين مهاراته . ويؤدي إلى ضياع حقوقه دون أن يبدي رأيه . ويؤدي به إلىمصاعب حياتية ، وصراع نفسي داخلي . قد يؤدي إلى مضاعفات نفسية مثلالانطواء والاكتئاب .
علاج المشكلة
مفتاح التغلب على الرهاب الاجتماعي هو تحدي الأفكار الخاطئة التي تسيطرعلى الذهن عند التعرض للمواقف الاجتماعية فإذا تمكن الإنسان من تحدي تلكالأفكار والتغلب عليها فسوف تصبح الأمور أسهل .
تعلم المهارات التي تمنعك من الوقوع في الحرج في المواقف الطارئة.الاهتمام بلباسك ومظهرك فهو يساعد بتعزز ثقتك بنفسك وبقدراتك.التدرج في مقابلة الآخرين والتحدث أمامهم بصوت مرتفع ، ويمكن أن يبدأبمجموعة صغيرة ممن يعرفهم ويشجعونه , فيحضر كلمة قصيرة تحضيراً جيداًوتتدرب على إلقائها مسبقاً ثم يلقيها عليهم وتكرار ذلك .
يمكن الاستفادة من البرامج النفسية والسلوكية للتغلب على الخجل وهي تجرىتحت إشراف مختص في هذا الأمر ولها نتائج باهرةكما تلعب المظاهر المختلفة مثل : التعزيز والاطمئنان والإدراك والدوافعدورا مهما في نمو الذات . يتعلم الفرد تلك المظاهر خلال التنشئةالاجتماعية ، عن طريق العائلة والأصدقاء والمعلمين ورجال الدينوهناك جلسات علاج سلوكي ومعرفي تقوم على دعم الفرد وتعريضه لمواطن القلقمع مساندته وحسب خطة مسبقة ، وكذلك تقوم على مراقبة الأفكار السلبيةومحاولة تغييرها . وهذا المحور مهم جداً لتخفيف انتكاسات الحالة لكن لابد من أن يكون من يعالج بهذه الطريقة متدرب بشكل كاف . لأننا للأسف نرىانتشاراً للاخصائيين النفسيين الذين لا يعرفون كيف يقومون بهذه الجلساتالعلاجية ، مما يفقد الناس الثقة في هذا التخصص وفي العلاج النفسيعموماً.وهناك العلاج الاجتماعي وهو مهم لتخفيف الضغوط على الفرد وتصحيح ممارسةكثيرمن الأفراد الذين يعانون منه.
إن حالات القلق بطبيعتها حالات مزمنة تخف بشكل كبير نتيجة المعالجة ، لكنقد تعود بسبب استقرار الضغوط النفسية، وهذا يتفاوت من فرد لفرد , لكنالانتكاس ليس معناه فشل العلاج لكن معناه ان شدة الرهاب عالية , وأنالفرد قد يحتاج لعلاج أقوى أو علاج مستمر أو علاج نفسي فعال ومركز .
أيضاً يحدث الانتكاس بسبب ارتباط الرهاب بأمراض أخرى فيرجع مع الاكتئابمثلاً.
العلاج الدوائي :
مضادات السيتينين الحديثة , فهي العلاج الأساسي للرهاب الاجتماعي ,المهدئات من زمر بنزوديازيبام ويمكن إعطاؤها قبل المواقف المزعجة بساعة .هناك أدوية هي علاج لا مهدئ ، ولا تبدأ في أحداث أثر إلا بعد أسابيع، وهيمثل سيروكسات سبرام فارفارين بروزاك ريمرون لسترال وهذه لابد مناستعمالها تحت إشراف طبي سواء من طبيب نفسي أو طبيب العائلة.
وهناك أدوية مهدئة سريعة للقلق: استعمالها محدود ومؤقت لكن تفيد وقتالأزمات للتغلب على القلق . وهناك أدوية تخفض الأعراض العضوية للقلق ولاتخفف القلق ذاته وهذه الأدوية تمنع الارتعاشة وجفاف الريق وزيادة النبضاتمما يعطي الفرد قدرة أكثر على مقاومة القلق نفسه لقلة الأعراض العضوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق