الركن الضعيف إن كنت ممن يطمح في الريادة وقيادة الناس ، فلا تعول عليهم كثيرا في الوقوف بجانبك حال الفتن والخطوب ! .. فالبشر تهلل وتصفق ، لكنها إذا ارتفع السوط تلوذ بالفرار ولسان حالها نفسي .. نفسي . التقيت بشيخي وأستاذي الدكتور عمر عبدالكافي حفظه الله ، فدار بيننا حديث طويل تطرقنا فيه إلى محنته عندما حاربته جيوش العلمانية وأباطرة الشر في بداية التسعينات ، فقال لي معقبا : كان يصلي خلفي عشرات الآلاف وتبكي وتضرع إلى الله ، ويزدحمون حولي حال دخولي وخروجي ، حتى إذا جاءت المحنة ، لم أرى لهم موقفا أو أسمع لأحدهم صوتا. وحول هذا المعنى قال القائد الفرنسي الكبير ( نابليون بونابرت) لقواده: لا تخدعوا أنفسكم ، فالعامة لا ينصرون قضية . إن من يدرك هذا المعنى يعرف جيدا أهمية أن يرسم خططه ، على ما لديه من مقومات وأدوات ، وأن يعلم أن الناس عليه لا معه ، وأنه في سباق الريادة وحده ، وأن ناصره هو الله أولا ، وما قدمت يداه ثانيا ، وليس بعدهما ثالث .. أحد قياصرة الروم اعتلى سدة الحكم ، وقد حُكم عليه في السابق بالإعدام ، وعندما رأى الجماهير من شرفة قصره قادمة تبارك له وقد كانت تلعنه في السابق قال : ( أهلا بالمصفقين لكل منتصر وغالب ) . إن الغوغاء لا ينصرون قضية ، وعامة الجماهير لا عقول لها ، تؤثر على قراراتهم واتجاهاتهم وسائل شتى ، فالإعلام قد يضللهم ، وصوت الخوف على لقمة العيش قد يكون هو الأعلى ، وصاحب الكفة الراجحة .. القائد الحق ، يدرك جيدا أنه وحده صاحب القرار ، والمخول بإنهاء أموره .. نعم يجب أن يكون له مخلصين وأتباع ، يؤمنون بفكره ، ويتفاعلون بهمة مع مبادئه ، لكن السواد الأعظم من البشر لن ينقاد له ويتبعه إلا حال رجاحة كفته على منافسيه وغرمائه .. والناظر يرى أن أتباع النبي قبل فتح مكة كانوا معروفين ومخلصين ، حتى حينما يندس بينهما منافق ، كانوا يعرفونه ويتقونه ، لذلك كان النصر الدائم للدعوة ، أما بعد الفتح فكانوا ألوفا مؤلفه ، وفي حجة الوداع كان سوادهم يغطي الصحراء الممتدة ، بيد أن كثيرا منهم كانوا من صنف المصفقين للمنتصر ، ولا عجب أن يرتد منهم كُثر بعد وفاة النبي عليه السلام . ولا يخدعنك التفاف الناس حولك ، أو هتافهم لك ، فتظن أنك قد ملكت ناصيتهم ، وأنهم قد أسلموا لك أمر حياتهم . فما أسهل أن يتركوك وحدك في منتصف الطريق إذا ما جد خطب ، أو أقبلت محنة .. ______________________ من كتاب " أفكار صغيرة لحياة كبيرة " كريم الشاذلي |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق