يا لروعة القلوب البيضاء
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في المسجد يترقب دخول رجل مميز، وكان بقربه شاب محب للعبادة.. مكثر منها.. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقد زوجه أبوه من شابة ذات حسب لكن عبادته أخذته من فتاته حتى كادت تذبل، وكان عمرو بن العاص يتفقد زوجة ابنه ويسألها عن حسن خلقه وعشرته لها، فتثني عليه، لكن الأمر طال والفتاة تزداد ذبولا، فسألها عمرو يوما؟ فقالت رضي الله عنها: (نعم الرجل من رجل.. لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا مذ أتيناه) اشتد الأمر على ابن العاص فأخبر النبي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (القني به)
ذهب عمرو وأحضر عبد الله، ولما جلس بين يدي معلمه ونبيه عليه السلام قال له: (كيف تصوم؟ قلت: كل يوم. قال: وكيف تختم (أي القرآن)؟ قلت: كل ليلة. قال: صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر. قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: صم ثلاثة أيام في الجمعة (أي الأسبوع). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: أفطر يومين وصم يوما. قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: صم أفضل الصوم.. صوم داود: صيام يوم وإفطار يوم - البخاري 4 - 1926) أما القرآن فقال له: (اقرأ القرآن في كل شهر.. قال: إني أطيق أكثر..... فما زال حتى قال: في ثلاث - البخاري 2 - 698)
لكن ما قصة ذلك الرجل الذي ترقب النبي صلى الله عليه وسلم طلعته البهية، والذي غبطه العابد (عبد الله بن عمرو) رغم أنه رجل لا يقوم الليل ولا يصوم النهار مثله؟ ما قصة ذلك الرجل (العادي) الذي غبطه هذا الشاب (الملتزم)؟
قصة حدثت عندما كان عبد الله مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة. فطلع رجل من الأنصار)، وفي الغد كرر النبي مقولته فطلع الأنصاري رضي الله عنه، وفي اليوم الثالث كذلك حدث الأمر نفسه.. ثلاثة أيام والنبي عليه السلام يبشر الأنصاري بالجنة، فتأمله عبد الله بن عمرو بن العاص فغبطه على عمله، وأخذه حب الله والشوق إلى رضاه وجناته إلى محاولة اكتشاف سره وعباداته بأي ثمن، عله ينافسه، فلحق به وادعى أنه حلف أن لا يدخل على أبيه ثلاثة أيام، ورجاه أن يؤويه؟
وافق الرجل، وبدأ عبد الله الاستعداد لتدوين قائمة العبادات السرية، في منزل ذلك الأنصاري المبشر بالجنة ثلاث مرات متتاليات.
سهر عبد الله تلك الليالي الثلاث يرصد ويرصد، لكنه لم يدون شيئاً، فالرجل يغط في نومه بجانبه و(لم يره يقوم من الليل شيئا) لكنه (إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر). أما في النهار، فلاحظ عبد الله أن هذا الأنصاري الجميل نظيف اللسان عفيف عن أعراض الناس فقال: (لم أسمعه يقول إلا خيرا) ولما كاد عبد الله أن يحتقر عمل الرجل مقارنة بعمله، اعترف له بعدم وجود خصومة بينه وبين أبيه، وأخبره بالقصة وقال: (أردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل. فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت. قال عبد الله: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه - أحمد 3 - 166 بسند صحيح) هنا أطل عبد الله على تلك العوالم المبهجة من شرفة ذلك الأنصاري النظيف.. فتأمل عالما طاهراً أخاذا بلا غش أو حسد أو غيبة أو نميمة أو كبر.. تأمل تلك المسافات الغناء التي استطاع الرجل أن يسلكها نحو رحمة الله بقلبه.. بقلبه فقط..... ثم قال: (هذه التي بلغت بك، وهى التي لا نطيق).
محمد الصوياني
جريدة الرياض
2009/09/17
يا لروعة القلوب البيضاء..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق