بوز أند كومباني ترصد عدد من الظواهر تؤثر على أداء الشركات بسبب الادارة
خمس أزمات تواجه الشركات العائلية في دول التعاون
قالت دراسة أعدتها مؤسسة بوز أند كومباني للاستشارات الإدارية العالمية إن الشركات العائلية تواجه تحديات فريدة على مستوى إدارتها في ظل بيئة أعمال طبيعية، و تزداد هذه المشاكل تعقيداً في ظلّ الركود العالمي الحالي خاصة في بلدان مجلس التعاون الخليجي. وتأتي خمس أزمات مجتمعة لتعصف بهذه الشركات، مسبّبةً بذلك هزّة قوية قد تغيّر معالم بيئة أعمال الشركات العائلية في المنطقة.
وأشارت الدراسة إلى إن من بين الأزمات الخمس مشكلة الخلافة: فيما يستعدّ الجيل الجديد إلى الاضطلاع بدور أكبر في الأعمال، يتعيّن على الإدارة اتخاذ قرارات صعبة للاختيار بين الأشخاص المؤهلين بحسب التقاليد لشغل مناصب قيادية، بصرف النظر عن كفاءاتهم، وآخرين قد يكونون أكثر قدرة على تشغيل الأعمال. وتشكّل الأعداد المتزايدة لأفراد العائلة ضغطاً على الشركات كي تنمو بسرعة كافية لإعالة كل من يتوقّع العمل في الشركة أو الاستفادة من أرباحها. وقد نوعّت شركات عدّة أعمالها الأساسية في مجموعة استثمارات مالية وفي شركات غير مرتبطة ببعضها. ومن الواجب ترتيب هذه الاستثمارات للتركيز على القدرات الأساسية لمجموعة الشركات. وفي الوقت عينه، أصبح سوق مجلس التعاون الخليجي، الذي كان مغلقاً لسنوات طويلة في وجه الشركات الأجنبية، مفتوحاً على التنافس مع لاعبين إقليميين متخصصين وشركات عالمية تبحث عن أسواق عالية النمو.
كما أنّ القروض تحوّلت بدورها إلى مشكلة فقد اعتادت العائلات التجارية الكبيرة الحصول على ثقة غير مشروطة من قبل المزودين والمصارف، غير أنّ الاختلال في أسواق الائتمان قد زعزع هذه العلاقات.
ويقول أحمد يوسف، مدير أول في بوز أند كومباني: ؟تشكّل كلّ واحدة من بين هذه الأزمات الخمس مخاطر فعلية، وتصبح معالجتها أصعب عندما تكون مجتمعة؟. ''فالشركات العائلية التي لا تتأقلم بسرعة قد تخسر مواقعها في السوق لصالح منافسين أكثر تركيزاً على الأعمال وثباتاً في السوق.
وقد تُرهَق هذه الشركات في معالجتها لمشاكل الخلافة أو في حلّ عداءات عائلية. ومن الممكن أيضاً أن تُجبر على بيع مجموعة شركاتها التابعة، وغيرها من الأصول، بهدف جمع الأموال للاستمرار في دعم أعمالها الأخرى والأعداد المتزايدة من ورثتها''، أضاف يوسف.
مع ذلك، فيما تبدو هذه التحديات مهمة، تساهم معالجة كل واحدة منها على حدة في ضمان تخطّي هذه الشركات للركود الحالي فحسب، وخروجها من الأزمة بنظام إدارة مركّز، ومجموعة متناغمة من الشركات التابعة، وانتقال هادئ للسلطة.
معالجة الأزمات
وحددت الدراسة ثلاثة من بين هذه الأزمات الخمس خاصة بالشركات العائلية، واثنتان من بينها عامة، غير أنّهما تتميّزان بانعكاسات مهمة على الشركات العائلية بشكل خاص. ومن الضروري معالجة كل هذه الأزمات بسرعة وفعالية، في حال أرادت الشركات العائلية في مجلس التعاون الخليجي الاستمرار في مسارات النمو القوي.
1. أزمة الخلافة: أُسّست غالبية الشركات العائلية الكبيرة في المجلس في منتصف القرن العشرين، لذلك فهي تمرّ حالياً في مرحلة انتقال السلطة إلى الجيل الثاني أو الثالث. وتتميّز هذه المرحلة بصعوبة انتقال سلطة الإدارة بالنسبة للشركات حول العالم، حتى عندما يكون الاقتصاد العالمي سليماً. غير أنّ الوضع الاقتصادي الحالي غير المستقر، بالإضافة إلى عناصر أخرى سنتطرّق إليها لاحقاً، يجعلون من هذه المسألة بالغة الدقّة بالنسبة للشركات العائلية في المنطقة.
فاتخاذ القرارات في هذه الشركات خاضع بالإجمال إلى قائد واحد من الصعب أن يتخلّى بسهولة عن السلطة التشغيلية للشركة التي أسّسها وبناها. كما أنّ العادات الإقليمية تقضي بانتقال المسؤولية وفق أنماط محدّدة مسبقاً ؟ مثلاً، انتقال السلطة إلى الابن البكر ؟ بصرف النظر عن ميزات هذا الشخص أو مهاراته التي تميّزه عن باقي إخوته، أوضح يوسف.
وفي بعض الحالات، ينتج عن مشاكل الوراثة المعقّدة اقتسام الشركات بين الأخوة، لضمان حصّة للجميع. وفي حالات أخرى، قد تتطلب النزاعات غير القابلة للحلّ شراء الحصص العائلية، ما ينهك رأس مال الشركة. وفي أكثر الحالات تعقيداً، قد يؤسس الأشخاص الذين يشعرون بأن عملية الاستحواذ على السلطة لم تكن عادلة، شركات منافسة، ما يخلّ بتركيز الإدارة ويطيح باستقرار العائلة والشركة على حدّ سواء.
لذلك، يقول يوسف، ''يكمن الحلّ في فصل واضح بين حوكمة العائلة وإدارة الأعمال''. من الضروري أن توظّف الشركة مديرين من خارج العائلة، لضمان أن تُنقل المسؤولية في المستقبل إلى الأكثر كفاءة، وليس إلى أصحاب أفضل المواقع بفعل الروابط العائلية. والخطوة الضرورية الأخرى هي توحيد آراء أفراد العائلة في إطار هيكل مشابه لمجلس المساهمين، قادر على حلّ النزاعات داخل العائلة قبل أن تتحوّل إلى تنافس في السلطات.
وأخيراً، على الشركات العائلية أن تعيّن وكيل تغيير ؟ تتلاءم مصالحه مع مصالح العائلة، وموجود على المسافة نفسها من كل أفراد العائلة، ما يخوّله اتخاذ قرارات غير متحيّزة بما يتماشى وأفضل المصالح الطويلة المدى للشركة.
2. أزمة الاندثار: إنّ عدد أفراد العائلة المعنيين بالشركات العائلية في دول المجلس في تزايد مستمر نتيجة حجم العائلات الكبير في المنطقة. ومن الطبيعي بالتالي أن يزداد عدد أفراد العائلة العاملين في الشركات العائلية أو الحاصلين على دخلهم الأساسي منها. الأمر شبيه بعدد متزايد من الأشخاص الذين يشربون من الينبوع نفسه.
ويشير تحليل حديث لبوز أند كومباني إلى أنه يجب على الشركات العائلية في دول المجلس أن تنمو بمتوسط معدل سنوي من 18% لتحافظ على المستوى نفسه من الثروة على مرّ الأجيال.
حتى الساعة، كان من السهل نسبياً الحفاظ على هذا المستوى من النمو ؟ ولكن على الأرجح، لن يبقى الأمر على هذه الحال على المدى الطويل، بصرف النظر عن قدرة الشركة على المنافسة. وبالإضافة إلى ذلك، يساهم العدد المتزايد لأفراد العائلة في الحؤول دون استمرار الشركات العائلية في توظيف كل أفراد العائلة الراغبين في الحصول على وظيفة.'' فلا يمكن للشركة أن تكون مصدر الدخل الوحيد لكل أفراد العائلة. باختصار، على العائلة تشجيع بعض أفرادها على إيجاد سبل أخرى لجمع ثرواتهم الخاصة''.
صندوق للدعم
وأكد يوسف على هذه الشركات أن تأخذ بالاعتبار تأسيس صندوق مالي من شأنه أن يدعم مبادرات الأعمال الفردية لأفراد العائلة خارج نطاق الشركة العائلية الأساسية، وذلك لضمان حصول هذه المشاريع على التمويل اللازم في المراحل الأولى الدقيقة. وبالإضافة إلى ذلك، على هذه العائلات أن تفصل بين الحفاظ على الثروة (مثلاً: إدارة رأس المال للحفاظ على القيمة بمستويات مخاطر محدّدة مسبقاً) وخلق الثروة (مثلاً: رأس المال المستثمر في شركاتها).
3. أزمة السلطة: إنّ الطبيعة المتنوعة للشركات العائلية في دول المجلس تعيق قدرتها على التنافس. فقد وجد استطلاع حديث لبوز أند كومباني أنّ حوالي 90% من الشركات العائلية المشاركة فاعلة في ثلاثة مجالات أعمال أو أكثر.
وهذا التنوّع طبيعي نظراً للظروف التي كانت سائدة في المنطقة خلال القرن العشرين ـ نمو اقتصادي قوي، تنافس محدود، ونفاذ سهل إلى رأس المال. غير أنّ هذه الشروط تختفي مع الوقت. وتجد إدارة هذه الشركات نفسها اليوم مجبرة على تخصيص الوقت، والانتباه، ورأس المال في شركات عدة غير متصلة ببعضها على الإطلاق، أو بشكل غير مباشر. ''
ويعجز المديرين الأولين على رصد فعال للأداء والشؤون المالية ؟ يمكن للنمو الكبير الذي تحققه الشركات القوية على سبيل المثال أن يحجب نظر المعنيين عن مكامن الضعف في الشركات الأقل قوة كما يصعب على الجهات المعنية من الخارج فهم الترابط بين هذه الشركات''.
4. أزمة التنافس: تؤثر هذه الأزمات الثلاث المذكورة أعلاه - الاندثار، الخلافة، والسلطة ؟ على كل الشركات العائلية، غير أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، تفاقمت هذه الأزمات نتيجة أزمة إقليمية على مستوى التنافس. فقبل خمس سنوات، كانت دول مجلس التعاون الخليجي سوقاً محمياً نوعاً ما. غير أنّ احتشاد الأسواق المتحررة، واتفاقات منظمة التجارة العالمية، والأزمة الدولية قد زادوا من التنافس بمعدلات لا سابق لها. ''
يوماً بعد يوم، يزداد عدد الشركات المحلية التي تطلق أعمالها في سوق لم تعد كبيرة بما فيه الكفاية لتتّسع للجميع. وقد بدأت الشركات الإقليمية، بعد اكتظاظ أسواقها، بالبحث عن فرص في الدول المجاورة''، يقول يوسف. أمّا الشركات الدولية التي ترزح أسواقها تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، فتقوم بخطوات متقدّمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتبرها سوقاً ملائماً للنمو.
وخلافاً للعديد من الشركات العائلية التي وزّعت نشاطاتها في قطاعات عدة، يتخصّص هؤلاء المنافسون الجدد في قطاعاتهم، ما ينعكس إيجاباً على القطاعات التي تركز عليها القيادة. وأخيراً، قد بدأت الشركات الإقليمية والدولية المعتادة على العمل في أسواق عالية التنافسية، بالعمل على تنظيم هياكل التكاليف الخاصة بها وإدخال أكبر قدر من المرونة على عملياتها ؟ الأمر الذي يتوجب على شركات عائلية عدة القيام به.
وبهدف مجاراة هؤلاء المنافسين، على الشركات العائلية التركيز على القطاعات التي قد تتمتّع فيها بدور ريادي، وترشيد باقي مجموعات استثمارها. وفي إطار الأعمال التي تركّز عليها هذه الشركات، ستبرز الحاجة إلى تعزيز الإنتاجية قدر الإمكان - أكان ذلك من خلال تطوير نطاق العمل، أو تحسين التنافسية على مستوى التكلفة، أو تعزيز خدمة العميل على سبيل المثال.
ويؤكد يوسف أن الشركات العائلية تتقدّم على المنافسين الإقليميين والدوليين نظراً لفهمها المعمّق لحركة الأسواق المحلية. مع ذلك، فإنّ هذه الميزة قد تزول: سيطوّر المنافسون هذه القدرة نفسها على فهم السوق، أكان من خلال تحليلاتهم الخاصة، أو من خلال الاستحواذ على شركة محلية. لذلك، على الشركات العائلية أن تطوّر معرفتها بالسوق وتحوّل هذه المعلومات إلى قدرة حقيقية.
غياب الفعالية
5. الأزمة الاقتصادية: أخيراً، والأهم من هذا كلّه، هو أنّ الأزمة الاقتصادية تسرّع من وتيرة التغيّرات الجذرية. وقد تفادت دول المجلس أسوء ما في الركود الدولي، لكنها لم تبقى بمنأى عن كل تأثيراته؟ أزمة الائتمان، والنمو البطيء، والريبة بشأن المستقبل. عندما كانت الشركات العائلية أصغر حجماً، وأقلّ ارتباطاً بالشركات الأجنبية، كانت أقلّ تأثراً بالأزمات الدولية. لكن هذه الشركات أصبحت اليوم أكبر حجماً وأكثر اندماجاً في الأسواق الدولية، فأصبح الركود يؤثر عليها بشكل مؤكد.
تاريخياً، أدارت هذه الشركات النمو بشكل جيد، لكنها لم تركز بما فيه الكفاية على غياب الفعالية في ميزانياتها العمومية أو بيانات التدفق النقدي.'' كانت تعطي الأولوية لنمو إيراداتها وأرباحها بسرعة كافية لتلبية أي فورة في الطلب.
وقد موّلت هذه الشركات نموها بواسطة الدين القصير المدى، كما أدارت السيولة بشكل غير محكم''، أوضح يوسف. ونتيجة الركود الاقتصادي، وجدت شركات عدة نفسها، على الرغم من سلامة أعمالها على المدى الطويل، في مأزق سيولة على المدى القصير. ومن شأن الأزمة العامة الحديثة التي يُعنى بها عدد من الشركات العائلية الكبيرة في المنطقة أن تزيد من حدة المشكلة.
وقد تضع المؤسسات المالية تلك الشركات تحت الضغط لتسديد القروض القصيرة المدى، ما سيجبرها على اتخاذ إجراءات جذرية لتأمين السيولة فوراً ؟ وهي ظاهرة قد يكون لها تأثيراً على سوق الائتمان.
ولتجاوز الأزمة الاقتصادية وضمان موقع أقوى عند انتهاء الأزمة، تحتاج شركات عائلية عدة إلى تحسين رأسمالها التشغيلي، وتعزيز هياكل رأس المال الخاصة بها، وتركيز حوافز الإدارة على مؤشرات التدفق النقدي.
وفي الوقت عينه، عليها النظر في تأجيل الاستثمارات وبيع أصول غير رئيسية وتعليق أو تخفيض نسب توزيع الأرباح. باختصار، هي بحاجة إلى التأكد من أنّ المدير المالي الرئيسي وقطاع المالية يستخدمان خبرتهما للاضطلاع بدور رئيسي في تغيير الإستراتيجية وتوليد القيمة للشركة بدل الاكتفاء باحتساب الأموال.
تصفية بعض الشركات وتنمية شركات أخرى
يوضح أحمد يوسف، مدير أول في بوز أند كومباني: على هؤلاء المديرين أن يعيدوا تنظيم شركاتهم القابضة من خلال تصفية بعض الشركات وتنمية شركات أخرى. ومن شأن تحليل واضح للنمو النسبي المتوقع، والموقِع من السوق لكل شركة تابعة أن يساعد المديرين على تكريس المزيد من الانتباه على الشركات التي تحقق أعلى عائدات على رأس المال، والتي تكون فيها العائلة ''المالك الطبيعي'' ؟ مثلاً: من المتوقّع أن تحقّق الشركة، بقيادة العائلة، تطوّراً أكبر من التطوّر الذي تحققه عندما تكون بقيادة أي صاحب أسهم آخر.
يمكن لهذه التحليلات أن تكون صعبة في حال كشفت عن ضعف كبير في مجالات العمل الأصلية للعائلة، نظراً إلى أن هناك روابط عاطفية تربط عائلات عدة بهذه الشركات. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ تصفية هذه الشركات قد تساهم في إحداث تغيير في الهوية التاريخية للشركة.
لكن الجهد يستحق العناء: فتركيز أكبر على عدد محدود من الشركات التابعة يساهم في تحسين الأداء المالي. ويظهر تحليلنا أنّه بين العامين 2003 و2007، إنّ الشركات العائلية التي ركزت على قطاعات مترابطة قد تخطّت بأدائها الشركات المنافسة التي تنفّذ نشاطات غير مترابطة، وذلك بنسبة 5,5% سنوياً.
شركة أكثر قدرة
قال أحمد يوسف، مدير أول في بوز أند كومباني ''يواجه مجتمع الأعمال الدولي تحديات لا سابق لها، وتُعتبر المرحلة الحالية غير مستقرة بالنسبة للشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي''. خلال العقود الماضية، كانت تُخفَّف حدّة هذه الأزمات بفضل النمو القوي والمنتظم للأسواق. أمّا اليوم، فالمشاكل التي هدأت خلال حقبة الازدهار قد عادت لتظهر مجدداً، ومن غير الممكن تجاهلها.
وحدها معالجة هذه الأزمات الخمس، كل واحدة منها على حدة، وبشكل جماعي أيضاً، من شأنها أن تخوّل المديرين اجتياز هذه العاصفة وتأسيس شركة أكثر قدرة على التنافس عند تحسّن الأوضاع.
دبي ـ البيان
2009/12/22
خمس أزمات تواجه الشركات العائلية في دول التعاون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق