أي أن يقوم صاحب المال بتشغيل ماله بنفسه، أو يشتري به محلات تجارية ويؤجرها… أو يشتري سلعاً معمرة للمستقبل، ويجب أن يضع الفرد نصب عينيه دائماً تنمية ماله ولا يتركه عاطلاً، كما يجب أن يوقن تماماً أن مجالات الاستثمار الحلال مفتوحة ميسرة والمحرمة هي الذي ورد نص يحرمها، كما يجب أن يتأكد من الحلال في مجال الاستثمار من تطبيق القاعدة الشرعية وفي الوسيلة إليه مع مشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة، وهذه الصيغة من صيغ استثمار المال تصلح لمن عنده خبرة في مجالات الأعمال ولا تصلح لمن لا يستطيعون ضرباً في الأرض مثل الموظفين والأرامل والشيوخ ونحوهم.
ثانياً الاستثمار عن طريق نظام المضاربة الإسلامية "فكرة توظيف الأموال المشروعة":
وهو نوع من أنواع المشاركة بين صاحب رأس المال وصاحب العمل، حيث يتوفر لدى الأول رأس المال وتنقصه الخبرة العملية أو يصعب عليه القيام بممارسة الخبرة العملية أو يصعب عليه القيام بممارسة المعاملات، ويتوفر لدى الثاني الخبرة والمقدرة على ممارسة نشاط المعاملات سواء أكانت تجارية أم زراعية أم صناعية أم خدمية ويتفقان سوياً على توزيع عائد ربح عمليات المعاملات الفعلية كل فترة زمنية بينهما بنسبة يتفقان عليها "أي تطبيق قاعدة الغنم بالغرم".
وهناك شروط مختلفة لعقد المضاربة الإسلامية، ولكن قد تتخذ أشكالاً مختلفة وكل أشكالها مشروعة ما لم تكن في أي منها مخالفة لنص شرعي، ويرجع في ذلك إلى فقه المضاربة في كتب الفقه.
ومن الضوابط الشرعية للمضاربة الإسلامية ما يلي:
- أن تكون في مجال الحلال الطيب.
- أن لا يضمن صاحب العمل رأسمال المضارب.
- أن لا يضمن صاحب العمل ربحاً محدداً مسبقاً لصاحب المال.
- يضمن صاحب العمل لصاحب المال التعدي والإهمال.
- لا يشترك صاحب المال في الإدارة بل له حق الإشراف والمراقبة.
ولكي يمكن تطبيق هذه الوسيلة أو الصيغة يجب أن يتوافر في صاحب العمل الأمانة والصدق والكفاءة الفنية، وهذا يتطلب من صاحب المال أن يختار من يخافون الله ولديهم الخبرة والحنكة والبصيرة.
ثالثاً: استثمار المال بطريق المشاركة (نظم الشركات: تضامن – توصية – محاصة):
يُقصد بالمشاركة هنا أن يشترك اثنان أو أكثر في تجارة أو صناعة أو زراعة أو تقديم الخدمات للغير كل منهم يقدم مالاً وعملاً، على أن يقتسما ما يسوقه الله إليهم من ربح حسب ما يتفقا عليه، وإذا خسرا توزع بينهم الخسارة بنسبة حصة كل منهم في رأس المال.
وتتعدد صور ونظم المشاركة حسب طبيعة الشركاء والعمليات التي سوف يقومون بها، وفي ضوء القاعدة الشرعية: أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة ما لم يصطدم بنص شرعي يوجب التحريم، فكل المشاركات حلال، فمنها المشاركة الثابتة ومنها المشاركة المنتهية بالتمليك، ويعتبر استثمار الأموال طبقاً لنظام المشاركة من أهم الطرق المشروعة لملاءمتها مع طبيعة المشروعات الاقتصادية المعاصرة، وهناك صور مختلفة للمشاركة أجازها فقهاء الإسلام مثل شركات التضامن والتوصية البسيطة والمحاصة وشركات الصنائع، وشركات الوجوه، وأي صورة أخرى مستحدثة تتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن متطلبات هذه الصيغ وجود الشريك الأمين الصادق الكفء ومجال الاستثمار الحلال الطيب، كما يجب أن تكتب العقود وتوثق، ويوضح فيها شروط الإدارة وتوزيع الأرباح والخسائر والتصفية، والتخارج أو نحو ذلك، وهذه الشركات هي قوام النشاط الاقتصادي والتنمية الشاملة للمجتمع وتعالج مشكلة التضخم، لأن الأموال تكون مستثمرة في أصول عينية.
رابعاً: استثمار المال عن طريق المساهمات في رؤوس أموال الشركات المساهمة:
تعتبر شركات المساهمة وما في حكمها من صيغ الاستثمار التي أجازها الفقهاء المعاصرون لأنها تقوم على أساس قاعدة المشاركة في الربح والخسارة "الغنم بالغرم" بشرط أن تعمل في مجال الحلال الطيب ووفقاً للأولويات الإسلامية.
ورأسمال الشركة المساهمة مقسم إلى حصص يطلق على كل حصة سهم، ويعتبر حامل السهم شريكاً في صافي الموجودات "أصول" الشركة، وفي نهاية كل فترة مالية تحسب النتائج، فإذا كانت ربحاً يوزع على حملة الأسهم بضوابط قانونية ونظامية وإذا تحققت خسارة يتحملها حملة الأسهم بحسب ما يمتلك كل منهم، ويعتبر التعامل في الأسهم العادية حلالاً متى كانت الشركة المصدرة له تتعامل في الحلال.
وتعتبر الشركات بصفة عامة والشركات المساهمة بصفة خاصة من دعائم الأنشطة الاقتصادية بصفة خاصة من دعائم الأنشطة الاقتصادية في أي دولة وبدونها يكون الكساد والتخلف، وتحاول الدول وضع النظم وسن القوانين لتشجيع هذا المجال من الاستثمار.
كما تعتبر الأسهم من أهم الأوراق المالية التي يتم التعامل عليها في سوق الأوراق المالية حيث تسهل من انسياب الأموال لتمويل المشروعات وهذا ما تسعى الدول لتحقيقه.
وهنا يجب على دعاة المصالح المرسلة من الفقهاء أن يشجعوا هذا النوع من الاستثمار ولا يصدوا عنه لأنه أفضل من إيداع الأموال في البنوك بفائدة، ولأن المصلحة الحقيقية للوطن هي تشجيع إنشاء الشركات وحث الناس على شراء الأسهم الحلال بدلاً من تخزينها في البنوك بفائدة وفقاً لنظام المتاجرة في الديون، وهناك فروق جوهرية بين الربح الحلال الناتج من الأسهم وبين الربا الناتج من إيداع المال لدى البنوك التقليدية.
خامساً: استثمار الأموال بنظام المضاربة الإسلامية مع البنوك الإسلامية:
لقد أسست المصارف الإسلامية على أساس تجميع المال بصيغة المضاربة الإسلامية، فالعقد الذي بين المستثمر وبين المصرف الإسلامي هو عقد مضاربة يقوم على أساس قاعدة "الغنم بالغرم" أي المشاركة في الربح والخسارة، ويقوم المصرف الإسلامي بتشغيل تلك الأموال واستثمارها مع الغير بصيغ المشاركة والمرابحة والإجارة والاستصناع والسلم ونحو ذلك، وما يأتي من ربح يوزع بينه وبين أصحاب الأموال وتقوم هيئات الرقابة في المصارف الإسلامية بالاطمئنان إلى أن هذه المعاملات تتم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وتغطي بذلك شهادة تنشر مع القوائم المالية.
من هنا نجد أن العقود التي بين أصحاب الأموال "المستثمرين – المودعين" وبين المصرف الإسلامي هي عقود مضاربة لا يضمن فيها المصرف ربحاً معيناً ولا يحدده مقدماً بل يعرف بعد استثمار هذه الأموال في تمويل المشروعات ومعرفة الأرباح الفعلية التي تُقسم بينهم وبين المصرف وذلك في نهاية كل فترة مالية.
وبالرغم من الشبهات والأخطاء التي تقع فيها بعض المصارف الإسلامية في بعض الدول العربية والإسلامية والأجنبية إلا أنها في مجملها أفضل من إيداع الأموال في البنوك التقليدية التي هي موضع شك وريبة ولا يطمئن إليها كثير من الناس.
وفي هذا المقام نناشد المسؤولين عن المصارف الإسلامية بأن يتقوا الله في معاملاتهم، كما نطلب من هيئات الرقابة الشرعية بذل المزيد من الجهد في الرقابة الفعالة لتأكيد الثقة وتجنب الشك وسد الذرائع أمام الناس.
استثمار الأموال من خلال المؤسسات التعاونية
تقوم المؤسسات التعاونية المختلفة على نظام المساهمة والمشاركة وفقاً لأسس معينة ولا تختلف هذه المؤسسات عن نظام الاستثمار في الشركات إلا من حيث نظم العمل والإدارة حيث تقوم على أساس قاعدة المشاركة في الربح والخسارة "الغنم بالغرم" وعدم ضمان ربح معين، ومن أمثلة ذلك تعاونيات الإسكان وتعاونيات النقل وتعاونيات التعليم وتعاونيات التأمين.
ويلزم التنويه هنا الى ان هناك شركات للأسف تسمي نفسها ان شركة تعاونية وهي شركات تجارية مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي خاص ةفي مجال تامين السيارات المنتشر حاليا
وهناك صيغ استثمار أخرى للمال يضيق المقام لبيانها مثل المزارعة والمساقاة والسلم والاستصناع والإجارة المنتهية بالتمليك، وما ذكر كان على سبيل المثال لا الحصر.
حقائق وثوابت حول الاستثمار وفقاً للشريعة الإسلامية
يجب على المسلم المؤمن التقي الوجل الذي يبحث عن كيفية استثمار ماله أن يوقن الثوابت الآتية:
- لقد أحل الله الربح الناتج من الأنشطة المختلفة الحلال الطيبة وحرم الربا الناتج من مبادلة مال بمال وزيادة.
- يمحق الله سبحانه وتعالى بركة المعاملات الربوية مصداقاً لقوله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا}.
- تجنب المعاملات التي فيها شبهات، "فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، فاتق الله أيها المستثمر، والتزم بوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
- عندما يحرم الله باباً من المعاملات المالية يفتح أبواباً شتى من الحلال فهو سبحانه وتعالى الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
- يجب التحري والاطمئنان إلى الأدلة الشرعية التي يرتاح إليها قلب الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق